الاثنين، 31 أغسطس 2015

ثلاثية غرناطة .. الأندلس بين الخيال والوهم


"لو راجعنا آراء السلف في العلماء الذين يفتخر بهم العرب والمسلمون وينسبون إليهم «حضارتهم» مثل الرازي وابن سينا والبيروني والفارابي وابن برد وابن الرومي وابن رشد وبن فرناس وابن الهيثم والخوارزمي، لوجدنا أن لا أحد من هؤلاء يعتبر مسلما في نظر السلف!" (منقول من منتدى التوحيد )

منذ نشأتى وأنا أسمع حلمين فقط للمسلمين "المثقفين" من حولى..تحرير القدس وإعادة مجد الأندلس ! كنت أستغرب لماذا الأحلام ليست من قبيل حج البيت , كفالة اليتيم وغيرها من الأحلام القريبة المنال عظيمة الأجر عاجلا وليس أجلا .. حتى اكتشفت مع مرور السنوات ان غاية السيطرة الدينية على الحشد تتلخص فى إثارة أحلام التابعين بما لا يملكونه..هم يعدونهم الجنة ويجعلونها ملك أيمانهم وكأنهم ملكوا مفاتيحها وكذلك يعدونهم فتح القدس والأندلس ويراهنون على عامل الزمن وللأسف لم ينتبه أحد من التابعين إلى وهمية ما يعدونهم به..فاليوم الأندلس أصبحت دولا لها سيادة وشعوبا ذاقت الحرية والتقدم وأى إستفتاء محايد لن يجعلهم يرغبون فى عودة الأندلس وكذلك القدس أصبح من المؤكد وجود 2 مليون مواطن من أصل عربى فى تل أبيب وباقى المدن الإسرائيلية ينعمون بحرية وتقدم لن يجدونها فى ظل حكم أنظمة عربية فاسدة مستبدة فلما المغامرة وحتى المقاومة باتت تضرب فى مصر أكثر من ضربها فى إسرائيل !!.. بالمثل الخلافة التى يدغدغون بها حس البسطاء المرهف لكل ماهو مغلف دينيا مع استحالتها هى الأخرى وعلى فرض إمكانية تحققها فلن تكون كما كانت عليه منذ 1400 سنة بل ربما الشكل الأقرب هو "الإتحاد الأوربى"بعملة وتأشيرة ودستور واحد ولكن كيف فشل العرب الموحدون لغويا ودينيا وسينجح المسلمون المنقسمون مذهبيا وأيدولوجيا ؟!!..حتى الجنة لا يملك أى من مشايخهم أن يدخل نفسه فيها وإلا فليعلن أحدهم أنه من المبشرين بها يقينا ولكن الجنه عندهم حلم يشغلون به الفقراء ليسلبوهم الإرادة ويجعلوهم تابعين منشغلين عن فقرهم وجهلهم ومرضهم مقابل أن ينعم مشايخ السلاطين بالسلطة والكروش .

وبالعودة للرواية فقد إخترت أن أنقل مقطتفات منها حتى يكون النقد من متن كلامها .. وسأضع المقتبس منها فى ثلاث محاور هامة 

أولا : مدى تمسك المسلمون بالأندلس وقتها بإعتبارهم من عاشوا مجدها والأحرى أنهم المتمسكون بعدم ضياعها وإكتفاءهم بالأحلام والروئ وترديد الشعارات وتخدير الضمير بأوهام لم تعد تتناسب مع التطور المتسارع فى العالم أجمع 

"غرناطة ساقطة لا محالة,وابن أبى الغسان كان أحمق يريد لنا خوض قتال لا قبل لنا به.الحمدلله أنه مات وأراحنا واستراح" ص17
"هل أعطبه الأسر وهزمته الهزيمة,أم أنه المسطور فى اللوح المحفوظ؟وهل يسطر الله فى لوحه هزيمة عباده الصالحين؟!"ص23
"وكان هؤلاء القشتاليون فى أبهى حالاتهم حين يعتلون خيولهم ويمرون فى ركب تسبقه البيارق الملونة ,وحاملو الطبول ونافخو الأبواق فيصبح الطريق بهيجا كيوم العيد.فلماذا كل هذا الحزن لدخولهم المدينة؟!" ص25
"ولكن جاراتها ,حين حكت,أنصتن باهتمام وتناقلن ما سمعنه,فما انقضت ثلاثة أيام حتى صار الخبر مشاعا فى البيازين.كانت نساء الحى المجتمعات عند الفرن وعند مضخات المياه فى المغسلة وعلى باب الطاحونة والمعصرة,يعدن رؤيا مريمة ويزدن عليها." ص250
"غرناطة العرب صارت كالغانية ترقص وتتعهر إرضاء لأسيادها لأنها خائفة.لا تأمن الأخرين يا على ,احذر القشتاليين ولكن احذر العرب أكثر" ص355
"علمتنى أمى منذ نعومة أظافرى أن ألجم لسانى .قالت لى :"ياعيد لا تثق بأحد حتى زوجتك ,فقد تختلف معها فى يوم من الأيام فتشى بك إلى الديوان" ص416
"ترى أبناء العرب فلا تعرف لهم ملة ولا دينا .يتحدثون بلغة الروم ويلبسون مثلهم ويسلكون سلوكهم .حتى فى الحى العربى تجد الشباب مجتمعين فى الحانة يعبون الخمر ويقطعون وقتهم بالسكر ولعب الورق,والقلة الغيورة على دينها لا تجد من يعلم أولادها الفقه وأصول الدين فيرسلون لنا بهم لنعلمهم." ص479


ثانيا : تكرار هروب رجال الدين من المسؤولية بدءا من الفتنة الكبرى وحتى فض رابعة ..يهيجون الجماهير ويوعدونهم بالجنة فى سبيل الله ثم يكونو أول الهاربين من المرابطين وأخر المضحيين فى سبيل الجنة !! خلل المبادئ عموما أدى لتحليل الغش والمرواغة والتقية والنفاق من أجل المصلحة والتى غالبا لا تأتى ويبقى العار شاهدا على التخاذل والضعف وتخدير الضمير 

"رأوا الهجرة الجماعية للأشراف وعلية القوم والأغنياء,..رأوا الأمراء يتنصرون.سعد ونصر ولدا السلطان أبى الحسن سمي نفسيهما الدوق فرناندو دى غرنادا والدوق خوان دى غرنادا وزاد سعد على أخيه درجة فالتحق بجيش قشتالة مقاتلا فى صفوفه.والوزير يوسف بن كماشة الذى فاوض باسم الأمة ,وأعد المعاهدتين العلنية والسرية كلل مسيرته بالتنصر ودخول سلك الرهبنة" ص 27
"لم يكن إمامهم شيخ المسجد ,ولا كان من كبار الفقهاء الذين حملوا أمتعتهم وهاجروا بعد إعلان الاتفاقية بأيام قليلة ,بل أمهم نجار مسن يعرفه بعضهم ولا يعرفه بعضهم الأخر." ص58
"فإن أكرهوكم على كلمة الكفر,فإن أمكنكم التورية والإلغاز فافعلوا,وإلا فكونوا مطمئنى القلوب بالايمان إن نطقتم بها ناكرين لذلك,وان قالو اشتموا محمدا فإنهم يقولونها ممدا,فاشتموا ممدا ناوين أنه الشيطان" ص146
"الهجوم على السواحل الإسبانية وتهريب المهاجرين من ناحية ,وتعاون البعض مع فرنسا بحجة إضعاف سلطة الإمبراطور ,تقوى الإتجاه القائل بأن عرب البلاد لا ولاء لهم للملكة ,وأنه لا حل سوى تنصيرهم أو ترحيلهم ." ص182
"أعلنت الجعفرية الفرح بنصر حققه الإنجليز.من هم الإنجليز؟قال شاب من الشباب:ليسو أفضل من حكامنا الأسبان .إنهم يتعاركون على السيادة والملك ,كل يطمع فى النصيب الأكبر.تطلع إليه الرجال مخذولين ,وهل يصح النعيق فى الأفراح .العرس مقام والبهجة مشعشعة كالخمر فى الرؤوس .كسر الإنجليز شوكة الأسبان ,مرغوا أنفهم فى التراب فشكرا للإنجليز ,أحب الأهالى الإنجليز." ص452
"مقاومة قرار الترحيل خطأ,سلوك أخرق نتيجته سفك الدماء .يملكون ما لا نملك من قوة .نرفع فئوسنا عليهم فيطلقون علينا من بنادقهم النار ويعملون القتل فينا فلا نجنى سوى الهلاك!قد تأتينا النجدة.انتظرناها مائة عام.يا إخوان:العقل زينة ,ليس الرحيل كله شرا,نترك أرضنا ولكننا أيضا نعود إلى أهلنا لنعيش بينهم معززين مكرمين ,لا نلتقى بمن يسبك قائلا :"عربى كلب!""مسلم جبان!".فى الرحيل نهاية لغربتنا." ص496


ثالثا : مدى هشاشة العقيدة الشعبية وضعف إيمانها وتطلعها البشرى للراحة تحت أى حكم مادام يحقق مصلحتها بعيدا عن شعارات دينية جوفاء لم توفر لهم الأمن والشبع .. والدليل سهولة الفتاوى بقبول التخلى عن الدين وحتى الأسماء مرورا بسهولة المعاصى كالخمر والزنا مما يؤكد أن الدين معاملة مش ترديد وفعل طقوس 

"قبل أن يأوى أبو جعفر إلى فراشه ,فى تلك الليلة ,قال لزوجته"سأموت عاريا ووحيدا لأن الله ليس له وجود!"ومات" ص52
"ألم يخلقها الله عقارب قارصة مؤذية ...لم تختر ذلك فلماذا يعاقبها الله على مالم تختره؟!" ص55
"وحدها سليمة كانت خارج الحزن والفرح تعايش سؤلا حارقا كالجرح هل الله شرير يقصد إيذاءها,أم انه سعد يمنحها مالايدوم فتتحول بهجة الهدية إلى ألم يسرى فى الروح يعذبها" ص120
"يعاقب الله الملوك الظالمين بموت أبنائهم وفساد عقولهم ,ولكنهم يحكموننا فنجنى ثمار جنونهم؟!يصعب أن يفهم الإنسان حكمة الله ,لغزها عميق وعسير ولست إلا امرأة عجوز."ص130
"لم تشاركهم سليمة الظهور ولا البكاء بل انسحبت إلى حجرتها.كانت تفكر فى الموت الذى يقهر ويذل,وفى الإنسان أمام الموت لا حول له ولا قوة ,وفى الله فى السماء العالية .هل يشاهد كل شيئ فى صمت ولا مبالاة ؟أليس هو الذى يقبض الروح ؟فلماذا يقبضها ولماذا يطلقها أصلا لتحط فى القلب حينا ,ثم يناديها فترحل تاركة عشها الدافئ قفرا؟بدا الله لها مبهما وغير مفهوم وجبارا إذ يحمل عباده مالا طاقة لهم به" ص148
"جلس حسن مع رجال لا يعرفهم وشاركهم الشراب..فى الكهف أتت له المرأة بمزيد من الشراب فشرب وضحك حتى سالت دموعه..فى الصباح لم يتذكر كم مرة واقعها " ص198
"يركضان ,يصطدمان بالحجارة,بالأشجار,بوهن جسدين حرمهما الله من الأجنحة."لماذا حرمت عبادك من الأجنحة؟!ألست قادرا على كل شيئ.فلماذا بخلت علينا,وماكان الأمر يكلفك سوى أن تنبت لهم جناحين؟!". ص261
"ثم سمعت مريمة بخبر مقتل محمد بن أمية .قتل,كيف؟!قتله حراسه!حراسه؟!تظاهروا بالوفاء وكانوا خائنين...جلست فى الرواق وكشفت رأسها وتطلعت إلى السماء وتحدثت بالصوت المسموع:"ماعدنا نطيق ,والله ماعدنا نطيق,فلماذا تبلونا بكل هذا البلاء؟هل طلبنا منك الكثير؟لم أطلب جاها ولا مالا.ماطلبت سوى أن أكحل قبل الموت عينى برؤية الصغار ,وأن أدفن بعد الموت,بما شرعته من غسل وكفن وأيات من أياتك تقرأ فى العلن على ,فلماذا تضن وأنت الكريم؟ولماذا تستبد وتقهر وتتجبر ,وأنت الرحمن الرحيم؟!...هل أتى أجدادنا جرما تعاقبنا نحن عليه ,أم أنك خلقت الكون للبشر بخيرهم وشرهم يسيرونه على هواهم كيفما يكون؟ولماذا تتركهم مادمت تعرف هواهم هكذا,شرس ولعين؟...قل لى لماذا تمنح خصومنا فرحة الزهو بالانتصار وتعلى مجدهم على أطلالنا ؟!هل هجرتنى ...هل هجرتنا؟!"ص341


رابعا : التجارة بالدين - أى دين - كانت التجارة الأرخص والأسرع على مر العصور ولم تتحرر أمة أو تتقدم إلا عندما أصبح دينها علاقة بينها وبين ربها فقط دون وساطة بشرية أو أغراض دنيوية :

"أصدر الملكان الكاثوليكيان أمرهما بالتنصير القسرى لكافة الأهالى ونشر المرسوم وأذيع فى الناس.كان على أهل غرناطة والبيازين الاختيار بين التنصير أو الترحيل" ص121
"لم يكن ذلك إلا وسيلة يا ولدى,وسيلة لتحقيق حلم سام نبيل يتلخص فى هدفين جليلين لا ثالث لهما :أن ينشر كلمة الرب بين من لم تصل إليهم من قبل فيضمهم إلى أحضان الكنيسة ,وأن يحصل على الذهب ليجرد حملة صليبية إلى الأراضى المقدسة تفتح القدس وتستعيد قبر السيد المسيح من أيدى من يكفرون به." ص178
"ندفع له الإيجار ,والضريبة ,ويوم السخرة نعمل فيه بلا مقابل فى الشهر مرة ,وندفع للملك ,وندفع للكنيسة فما الذى يتبقى لنا؟!" ص437
"يسمح بالبقاء لمن يزكيهم القسس بعد التأكد أنهم لم يخالطوا أيا من أبناء العرب لعامين متتاليين" ص489

يبقى أن أذكر أن الكاتبة رضوى عاشور زوجة الأديب الفلسطينى مريد البرغوثى وأم الشاعر تميم البرغوثى قد فاجئتنى بتناولها لقصة الأندلس دون مثالية تقترب إلى الوهمية كما فى أكثر خطب "الإسلام السياسى المتجمد فى طور ماقبل الحداثة".. كما أنها أمتعتنى بمفرداتها التى تنم عن دراسة حقيقية لمصطلحات تلك الفترة التاريخية فى أدق تفاصيل الحياة وقتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق